هل تتذكر عندما كان المعلقون السياسيون يحاججون بأن إليزابيث وارن ليست شخصية قابلة للإعجاب بما يكفي حتى تكون رئيسة للبلاد؟ كان ذلك دائماً تفسيراً كسولاً لا يخلو من بعض التمييز ضد النساء. تفسير يبدو سخيفاً الآن عند رؤية وارين خلال الحملة الانتخابية. وبغض النظر عما إن كانت شخصاً قد ترغب في مجالستها، فإنها من دون شك شخص يرغب آلاف الأشخاص في التقاط صور سيلفي معه.
ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يكرهون وارن حقاً – أعني حقاً: إنهم الأغنياء الكبار، وخاصة في «وول ستريت». إنهم يكرهونها كثيراً، لدرجة أن بعض المتبرعين التقليديين للحزب «الديمقراطي» أخذوا يفكرون - على ما يقال - في تحويل دعمهم للرئيس دونالد ترامب والفساد والتواطؤ وكل شيء، إذا كانت وارن هي مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية.
والواقع أن نجاح «وارين» بات إمكانية حقيقية، لأن صعودها المطرد جعلها منافسة قوية، بل ربما المرشحة الأوفر حظاً: صحيح أنها ما زالت متأخرة عن «جو بايدن» قليلاً في استطلاعات الرأي، لكن حظوظها في أسواق التكهنات تمنحها احتمال 50 في المئة تقريباً للحصول على الترشيح.
ولكن لماذا تثير «وارين» هذا المستوى من الكراهية والخوف بين أغنى الأغنياء، والذي لا أعتقد أننا رأيناه موجهاً لأي مرشح رئاسي منذ أيام فرانكلن دي. روزفيلت؟
ظاهرياً، الجواب قد يبدو بديهياً. إنها تقترح سياسات من شأنها جعل الأغنياء الكبار أقل غنى قليلاً، وخاصة ضريبة على الثروات التي تفوق 50 مليون دولار. ولكن حين نغوص في السؤال بشكل أعمق بعض الشيء، يصبح كره «وارن» محيراً أكثر.
ذلك أن الأشخاص الوحيدين الذين قد يتأثرون بمقترحاتها الضريبية بشكل مباشر هم أولئك الذين لديهم بالفعل أموال كثيرة، أموال أكثر مما يعرفون ما ينبغي أن يفعلوا بها. فأن تكون لديك مليون أو مليونان أقل بالكاد سيؤثر على أنماط حياتهم، ومعظمهم لن يلاحظ التغيير.
وفي الوقت نفسه، فإن حتى الأغنياء الكبار يُفترض أن يكونوا خائفين جداً من احتمال إعادة انتخاب ترامب. وأي شكوك قد تكون لدى المرء بشأن ميوله يفترض أن تكون تبدّدت بعد رد فعله على إمكانية عزله: تهديدات ضمنية بالموت ضد المبلِّغين عن الخروقات القانونية، وتحذيرات من الحرب الأهلية، وادعاءات بأن أعضاء الكونجرس الذي يحققون معه مذنبون بالخيانة.
وعليه، فما الذي قد يجعل الأغنياء الكبار يدعمون ترامب ويفضّلونه على شخص مثل وارين؟
في اعتقادي، هناك عنصر مهم يساعد على الإجابة عن هذا السؤال في «مشاعر الغضب من أوباما» التي اجتاحت «وول ستريت» حوالي 2010. والحق أن إدارة أوباما كانت جيدة جداً مع القطاع المالي، رغم أن ذاك القطاع كان قد قادنا للتو إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الثلاثينيات. إذ استفاد اللاعبون الماليون الكبار من إنقاذ مالي وفق شروط متساهلة، وإذا كان المصرفيون قد خضعوا لزيادة تأخرت طويلاً في القواعد والقوانين، فإن القوانين الجديدة أثبتت أنه من السهل تعامل الشركات ذات السمعة الجيدة معها.
ومع ذلك، كان العمالقة الماليون غاضبين من الرئيس باراك أوباما لأنهم شعروا بأنهم تعرضوا للإهانة. والحق أن خطاب أوباما كان لطيفاً جداً، فكل ما فعله هو القول إن بعض المصرفيين تصرفوا على نحو سيئ، وهو ما لا يستطيع أي شخص عاقل نفيه. ولكن مع الأموال الكبيرة تأتي التفاهات الكبيرة، إذ أثارت انتقادات أوباما الخفيفة غضباً – وتحولاً ضخماً في المساهمات السياسية للقطاع المالي نحو «الجمهوريين».
والخلاصة هي أن الكثير من الأغنياء الكبار لا يكتفون بالعيش مثل الملوك، وهو ما سيواصلون القيام به بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات العام المقبل، وإنما يتوقعون أيضاً أن يعامَلوا مثل الملوك، وأن يُنظر إليهم بامتنان كخالقين للوظائف وأبطال الرخاء، ويعتبرون أي انتقاد لهم ذنباً لا يغتفر.
وبالنسبة لمثل هؤلاء الأشخاص، فإن إمكانية وصول «وارين» للرئاسة تمثل تهديداً وكابوساً – ليس بالنسبة لأموالهم وإنما لغرورهم. وهم يستطيعون التقليل من شأن أشخاص مثل بريني ساندرز باعتبارهم ديماغوجيين وشعبويين، ولكن عندما تنتقد وارين أشراراً من ذوي الثروات الكبيرة وتقترح كبح جماحهم وشططهم، فإن تطور سياستها الواضح يجعل التهوين من شأن انتقاداتها أكثر صعوبة.
وإذا كانت «وارين» هي مرشحة الحزب «الديمقراطي» للانتخابات الرئاسية، حينها سيدعم عدد مهم من كبار رجال المال والأعمال ترامب، فتعريض الديمقراطية للخطر، بالنسبة لهم، أفضل من دعم تحدٍّ لغرورهم الامبريالي. ولكن هل سيهم ذلك؟
الواقع أن الهجمات المكشوفة من الأغنياء يمكن أن تكون ميزة سياسية أحياناً. وقد كان ذلك واقع الحال مع فرانكلن روزفيلت، الذي كان يستمتع بمعارضته للطبقة الغنية: «إنهم مجمعون على كرهي، وأنا أرحّب بتلك الكراهية».
ويبدو أن «وارين» تنتهج الأسلوب نفسه، حيث تنشر على حسابها على تويتر مقالات حول عداء «وول ستريت» لها كما لو كانت دعماً وتزكية، والواقع أنها كذلك من بعض النواحي. فشيء جيد أن يكون لديك الأعداء المناسبون!
غير أنني قلق بشأن رد فعل أغنياء «وول ستريت» إن هم خرجوا جميعاً من أجل هزم وارين وتمكنت من الفوز رغم ذلك. إن واشنطن تستطيع إنقاذ موازناتهم، ولكن من يستطيع إنقاذ نفسياتهم المكسورة؟
*أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/09/30/opinion/elizabeth-warren-wealth-tax.html
ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يكرهون وارن حقاً – أعني حقاً: إنهم الأغنياء الكبار، وخاصة في «وول ستريت». إنهم يكرهونها كثيراً، لدرجة أن بعض المتبرعين التقليديين للحزب «الديمقراطي» أخذوا يفكرون - على ما يقال - في تحويل دعمهم للرئيس دونالد ترامب والفساد والتواطؤ وكل شيء، إذا كانت وارن هي مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية.
والواقع أن نجاح «وارين» بات إمكانية حقيقية، لأن صعودها المطرد جعلها منافسة قوية، بل ربما المرشحة الأوفر حظاً: صحيح أنها ما زالت متأخرة عن «جو بايدن» قليلاً في استطلاعات الرأي، لكن حظوظها في أسواق التكهنات تمنحها احتمال 50 في المئة تقريباً للحصول على الترشيح.
ولكن لماذا تثير «وارين» هذا المستوى من الكراهية والخوف بين أغنى الأغنياء، والذي لا أعتقد أننا رأيناه موجهاً لأي مرشح رئاسي منذ أيام فرانكلن دي. روزفيلت؟
ظاهرياً، الجواب قد يبدو بديهياً. إنها تقترح سياسات من شأنها جعل الأغنياء الكبار أقل غنى قليلاً، وخاصة ضريبة على الثروات التي تفوق 50 مليون دولار. ولكن حين نغوص في السؤال بشكل أعمق بعض الشيء، يصبح كره «وارن» محيراً أكثر.
ذلك أن الأشخاص الوحيدين الذين قد يتأثرون بمقترحاتها الضريبية بشكل مباشر هم أولئك الذين لديهم بالفعل أموال كثيرة، أموال أكثر مما يعرفون ما ينبغي أن يفعلوا بها. فأن تكون لديك مليون أو مليونان أقل بالكاد سيؤثر على أنماط حياتهم، ومعظمهم لن يلاحظ التغيير.
وفي الوقت نفسه، فإن حتى الأغنياء الكبار يُفترض أن يكونوا خائفين جداً من احتمال إعادة انتخاب ترامب. وأي شكوك قد تكون لدى المرء بشأن ميوله يفترض أن تكون تبدّدت بعد رد فعله على إمكانية عزله: تهديدات ضمنية بالموت ضد المبلِّغين عن الخروقات القانونية، وتحذيرات من الحرب الأهلية، وادعاءات بأن أعضاء الكونجرس الذي يحققون معه مذنبون بالخيانة.
وعليه، فما الذي قد يجعل الأغنياء الكبار يدعمون ترامب ويفضّلونه على شخص مثل وارين؟
في اعتقادي، هناك عنصر مهم يساعد على الإجابة عن هذا السؤال في «مشاعر الغضب من أوباما» التي اجتاحت «وول ستريت» حوالي 2010. والحق أن إدارة أوباما كانت جيدة جداً مع القطاع المالي، رغم أن ذاك القطاع كان قد قادنا للتو إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الثلاثينيات. إذ استفاد اللاعبون الماليون الكبار من إنقاذ مالي وفق شروط متساهلة، وإذا كان المصرفيون قد خضعوا لزيادة تأخرت طويلاً في القواعد والقوانين، فإن القوانين الجديدة أثبتت أنه من السهل تعامل الشركات ذات السمعة الجيدة معها.
ومع ذلك، كان العمالقة الماليون غاضبين من الرئيس باراك أوباما لأنهم شعروا بأنهم تعرضوا للإهانة. والحق أن خطاب أوباما كان لطيفاً جداً، فكل ما فعله هو القول إن بعض المصرفيين تصرفوا على نحو سيئ، وهو ما لا يستطيع أي شخص عاقل نفيه. ولكن مع الأموال الكبيرة تأتي التفاهات الكبيرة، إذ أثارت انتقادات أوباما الخفيفة غضباً – وتحولاً ضخماً في المساهمات السياسية للقطاع المالي نحو «الجمهوريين».
والخلاصة هي أن الكثير من الأغنياء الكبار لا يكتفون بالعيش مثل الملوك، وهو ما سيواصلون القيام به بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات العام المقبل، وإنما يتوقعون أيضاً أن يعامَلوا مثل الملوك، وأن يُنظر إليهم بامتنان كخالقين للوظائف وأبطال الرخاء، ويعتبرون أي انتقاد لهم ذنباً لا يغتفر.
وبالنسبة لمثل هؤلاء الأشخاص، فإن إمكانية وصول «وارين» للرئاسة تمثل تهديداً وكابوساً – ليس بالنسبة لأموالهم وإنما لغرورهم. وهم يستطيعون التقليل من شأن أشخاص مثل بريني ساندرز باعتبارهم ديماغوجيين وشعبويين، ولكن عندما تنتقد وارين أشراراً من ذوي الثروات الكبيرة وتقترح كبح جماحهم وشططهم، فإن تطور سياستها الواضح يجعل التهوين من شأن انتقاداتها أكثر صعوبة.
وإذا كانت «وارين» هي مرشحة الحزب «الديمقراطي» للانتخابات الرئاسية، حينها سيدعم عدد مهم من كبار رجال المال والأعمال ترامب، فتعريض الديمقراطية للخطر، بالنسبة لهم، أفضل من دعم تحدٍّ لغرورهم الامبريالي. ولكن هل سيهم ذلك؟
الواقع أن الهجمات المكشوفة من الأغنياء يمكن أن تكون ميزة سياسية أحياناً. وقد كان ذلك واقع الحال مع فرانكلن روزفيلت، الذي كان يستمتع بمعارضته للطبقة الغنية: «إنهم مجمعون على كرهي، وأنا أرحّب بتلك الكراهية».
ويبدو أن «وارين» تنتهج الأسلوب نفسه، حيث تنشر على حسابها على تويتر مقالات حول عداء «وول ستريت» لها كما لو كانت دعماً وتزكية، والواقع أنها كذلك من بعض النواحي. فشيء جيد أن يكون لديك الأعداء المناسبون!
غير أنني قلق بشأن رد فعل أغنياء «وول ستريت» إن هم خرجوا جميعاً من أجل هزم وارين وتمكنت من الفوز رغم ذلك. إن واشنطن تستطيع إنقاذ موازناتهم، ولكن من يستطيع إنقاذ نفسياتهم المكسورة؟
*أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/09/30/opinion/elizabeth-warren-wealth-tax.html